حسد الغربان
قصة قصيرة
بقلم : عمار سيداحمد شليعة
مكتب السيَّد المسئول الكبير ، وبالأحرى ، مكتب الدولة ،يتوسط مبنى فخيماً ، بني من زمان المستعمر ، ويعاد تأهيله ، ، كلما ، جاءت السلطة بمسئول جديد ، أشجار البان تسور المكان- و تحجب بعض الداخل –عدا برج علا فوق المبنى - للدخول باب ، كما للخروج باب ، بطريق مسفلت ، ، فارهات السيارات في حالة دوران ، ومع حركة سيرها ، تطير الغربان السوداء ، وتعود ، لترمى بيقايا فضلاتها الساخنة المتعفنة على – من تشاء – من رؤوس أو قمصان . للمبني برج بساعة توقيت –من زمان المستعمر – لها – أربعة أوجه – بإتجاهات الدنيا الأربعة – توقفت عقاربها – منذ غادر المستعمر – توقفت – لكنها تصدق مرتين كل يوم – قبل بدء ( العمل ) – و بعد ذهاب العاملين – و سكون الغربان.
الله يلعنك ، قالها الحرس- يتحسس رأسه – التي تبرز فوقها الغراب - وسألنى : : أيوا – عاوز شنو
- أقابل السيد –
- عندك مواعيد معاهو؟
مررت من حارس- لحارس - لحارس - لفتاة صفراء الوجه ، سألتنى نفس الأسئلة. وكتبت بخط قبيح على ظهر ( ورقة تخصني ) وأشارت بيد سوداء اللون ، لأخرى ، قرب أخرى ، قرب أخرى ، كلهن بيضاوات- أوصفراوات الوجوه ، سوداوات الأيادى .
أم تراني لا أميز الألوان ، بنطالى أسود ، وقميصي أبيض ، الأسود لون غير موجود – هو وهم ، والأبيض أصل اللون . لون حقيقي كل الألوان وهمية – قلت لنفسي – نظرية قديمة ، لايهم ، المهم الآن سمح لي بالدخول ، الدخول للمسئول( الأسد) .
كيف لا أفهم : هذه الألوان الصفراء ، والسوداء ، تبعث على المزاج ، التسرع وقلة السرور والإنفعال ، والإكتئاب والحزن- لابد من مزاج ألج به عرين الأسد ، ولم يبق لي إلا مزاج الدم ، والبلغم الليمفاوى . خلطتها جميعاً ، بقدرة قادر ، لأكون شخصية أدخل بها عرين الأسد .
السلامو ... السلامو عليكم ... وكدت أقع على القفا- رشف الرجل الضخم - ذى البدلة الأنيقة ، وربطة العنق التي لا تشبه العنق ، القابع خلف منضدة بطول مترين ، بدت كأنها فى حضنه ، رشف رشفة من كوب به سائل أسود- فقطعت إمدادات الكهرباء ، وأسرع بتأمين مكيف الهواء- و وعادت الكهرباء – أضاءت الثريات - نظر للأسفل نحوى – يتطاير اللهب من عين واحدة - والأخرى ، تمتص هواء التكييف .
أيوة مالك ؟
- أنا ؟ -
- إنت شنو –
مددت له الورقة . تمعن فيها ، قلبها عشرمرات ، وفى كل مرة تصغر المنضدة ويصغر الرجل ، حتى تبدى لي ، كأنه من الأجسام التي تتمدد وتنكمش ، بالحرارة أو البرودة – وربما هي نزعة زئبقية – لمزاجه – أصبت بنفس الحالة ورأيتني أزداد طولاً وعرضاً – وصلابة ، والمسئول الأسد ، صار تحتي – كإبن العاشرة ، في مدرسة – خلف ( الدرج ) – أو الكنبة .
رفع رأسه عالياً – ليراني – أنا الطويل العريض – وقال بصوت متوتر ، متقطع – مرتعش :
- وسيادتو ببقا ليك شنو؟
أجبته - وأخرجت – شهاداتي الأكاديمية ، الموثقة ، بأختام – الجامعات والمعاهد الأجنبية التي درست بها – وموثقة بختم الجهات المسئولة ببلدي ، التي تقوم بمعادلة وتقويم وتقييم للشهادات ، فتقبلها أو ترفضها .
دي شهاداتك - طيب بحث التخرج وينو ؟
بحث التخرج في الفيزياء . هل يستحق الوجود ، أم هل تستحقه الوظيفة . شهاداتي تبين حقيقة دراستي، ومفهومي ومنهجي في التعامل مع كل( بنىً) يتوسط أو إشكال ، شهاداتي ، تحلل وتصقل ، ما سيكون من مشكل في الوظيفة _ وليس هناك قالب جاهز ، لمجابهة شكل غائب .
خلاص سيادتك – دا مفتاح العربية – عربية بدون ( سيار ) – كالطائرة بدون ( طيار ) - تعمل تسليم وتسلم – ونادى : يا بنات !!! – أها مع السلامة – دا مديركم الجديد .
لم أعمل طيلة حياتي بأي مجال – ولطالما شكت الأسرة ، لذاك الجار حالها ، أن يساعدها بإيجاد وظيفة لي ... فإذا ني الآن- المدير العام – لكل هذا البلد . –أين سيذهب هذا الرجل الذي سلمني مهامه وعربته – ربما سيجدون له وظيفة أعلى _ من- هذه التي قفزت عليها ، بعد مرور – صحيح أنه صعب – لكنه إجراء إحترازي – سيمر به من يريد مقابلتي – حتى ممن هم من أهلي – دارت في رأسي دوائر كالماء – الملقى فيه بالحجر – خرجت من المكتب – أوصلني( السائق ) للمنزل . وحيث أنني لا أجيد القيادة -قلت له خليها معاك لبكرة . أنا رجل متقشف.
صبيحة اليوم التالي ، دخلت مكتبي ، ومن ورائي هتافات الرجال والبنات و(الترحيب ) ، ولافتات عديدة – لحلولي ونزولي – أهلاً وسهلاً – وعلى الحائط ، علقت رسومات لرسامين عالميين – بول سيزان ( لاعبا الورق ) –فيرمير ( بائعة الحليب) ، جان آرت ( صفحة البيض ) ،رامبرانت ( التلاميذ ) –بروجل ( المتسولون) - و( كسار الثلج ) ليس لها توقيع .
-أضاف مدير مكتبي – ولو ما عاجباًك - ممكن نغيرها ليك .
لا – بس دى شيلها
تعجب الرجل – وحمل لوحة كتب عليها ( لو دامت لأحد - لما آلت إليك )
دخل الشاى ، والقهوة والعصير ، والصحف السياسية والرياضية ( ودفتر التمام ) – وشيكات للإعتماد : وقود – إحتفالات – وفود- صحف – مؤتمرات – سمنارت – ضيافة – مرتبات- وحوا فزى ....و حافظات و ثلج .
-ياجماعة خلونا نراجع ، وبعدين ، نجرى اللازم .
إلتهمت الصحف الرياضية – وناديت مدير مكتبي – أن يحول راتبي وحوا فزى – نقداً – هاتفت صاحبي الصديق و قصصت عليه الحال – و رد علي أنه مشغول – و لا وقت لديه لسماع القصص .
- إتفضل .
دخل شاب مهندم – بدلة وبنطالاً – وسيماً – مد لي خطاباً- لم يمهلني لحظة – وقال : تسليم وتسلم ... وبسرعة . لم أسال عن مبرر ، فكل المبررات تعود – برأي ، أو بدون رأي – إلى إتجاﻫ واحد هو (الحقيقة)- الحقيقة بشقيها : الحلو والمر .
مررت على المبنى ذاته – رفعت عيني لرؤية الساعة – طارت غربان – و دمعت عيني الإثنتين – من براز الغربان عليهما – و ضحك الحراس - و علي جلبابي – فعلت الغربان ما فعلت .
في ركن تفوح منه رائحة بول المتسكعين ، وتبغ ( الشيشة ) والرطوبة – والغثيان – جلست على كرسي بلاستيكي – وناديت
ياولد – قهوة و ( حجر شيشة ) وصلحهم .
هذا الحوش – ملاذي – في المدينة – وملجأ هروبي من دائرة الإستعباد و الإحباط إلى عوالم مدينة فاضلة... ترتاح فيها نفسي الكسولة.... المظلومة دائماً بنظر أهلي
-خليهم إتنين
قالها رجل – عرفت أنه هو الذي سلمني – الإدارة قبل يومين – وأضاف وهو يلتهم الشيشة : مش أحسن الدهب العشوائى . ؟
- أحسن شنو ؟ -
ضاعت الرائحة النتنة بين دخان( المعسل) و ( الجيراك )- وبين (الكيف ) .
- و دارت العقارب بإنضباط ................. كما تدور الأرض .
( تمت )
عمار سيداحمد شليعة