حاج الماحي حكاية الساقية و القوافل
في غربة طالت و استطالت ، تبحث النفس عما يخفف من وحشتها ، تبحث عن صحبة ترتاح لها ، خاصة إذا كانت صحبة من ذلك الزمان الذي تُطوى ذكرياته في سويداء الفؤاد و تضمه الحنايا . أسعدني الزمان في الغربة بصحبة واحدٍ من ذلك الزمان ، زمان مروي الثانوية و جامعة الخرطوم سبعينات القرن الماضي .... حفيد حاج الماحي ، الرجل الخلوق المثقف مولانا أحمد المجذوب .... و سعدت و تشرفت باختياره لي لأكون أول قارئ لكتابه الذي اخترت عنوانه ليكون عنوان ما أكتب الآن ... من أول سطر لم تستطع عيناي مفارقة ذلك السفر ... لغة جمعت بين الفخامة و البساطة و الجزالة ... رواية و تاريخ و إنارة ذكية لحقبة مهمة من تاريخ منطقتنا ، بل تاريخ السودان ... السرد الروائي الممتع جعلني أركض مع الصفحات مستغرقاً مستمتعاً . لا أستطيع أن أصف كيف شدني هذا الكتاب و أفادني و سد ثغرات في معارفي ... منه تعرّفت على جزء غائب عني من تاريخ المنطقة ، لكن أهم ما فيه أنني صحبت حاج الماحي و ما أدراك ما حاج الماحي ، صحبته طفلاً و صبياً و رجلاً و صمداً لساقية ود الشيخ ، و الساقية كانت بلا شك محور حياة أهلنا في ذلك الزمان ... حياة حاج الماحي كانت مرتبطة بالساقية برباط وثيق ، فقد كانت أس الحياة و مناط الرجاء :
القبه الطلق نساما شوقي حليل خداما
___________
بسم الله العبيد نظَاما ربط الساقية فوق اسهاما
شعبا جابره موهدامه ترتر لى مروقا عظـاما
___________
رصاها ودفن تماما ختخت وعدل الحوامه
رفع الديو وسوى الناما دفق بافضل الاياما
شنف أذنيي أنين ساقية ود الشيخ ، و أشجتني أيام حاج الماحي الخوالي و هزتني تلك الأحداث الجسام التي عاصرها .... شهد حاج الماحي أخريات أيام دولة الفونج و عاش فظائع الفتح التركي و حملات الدفتردار ... كانت معركة كورتي برزخ بين عهدين ، ها هو قلم مولانا أحمد المجذوب البهي ، يقف إجلالاً عند تلك اللحظة من التاريخ ، رغم الحزن الذي يجلل قلمه لكن ذلك القلم يرى بوضوح المجد الذي خطه أولئك الفرسان دفاعاً عن أنبل ما يعتزون به ، عن حريتهم ، عن سواقيهم ... أسمعه يقول عنهم : " الفرسان الأشاوس الذين مزقهم الرصاص علي عقبة كورتي رقدوا في سلام لأنهم علموا أنهم دفعوا مهر الساقية. الرجال الصناديد الذين لا يكادون يصدقون ما حدث أنشبوا سلاحهم البسيط مرات أخرى في المحتل في عدة معارك جرت إحداها على الشاطئ الغربي للنيل قبالة ساقية ود الشيخ وداخل مملكة الملك ود زمزم قريب حاج الماحي بل ابن خالته . " ... يملأك قلم أحمد المجذوب فخراً بشموخ الأجداد و أنفتهم و اعتزازهم ... لم يكونوا ــ كما توهم الغازي ــ جماعة بلا تاريخ و بلا أمجاد و بلا اعتزاز و فخر ... كانت أرضهم و سواقيهم الملتصقين بها مصدر عزة ممزوج بتراث الأجداد ...
عندما خاف الغازي من رموز المجتمع ــ أمثال حاج الماحي ــ الذين يلتف حولهم أهلهم يجدون عندهم البلسم لجروح الغازي و الزمان ، راح يضيّق عليهم ، و جاءت الأخبار تترى عن نية الحكومة منع المديح ... يصور لك قلم أحمد المجذوب كيف انتفض حاج الماحي متحدياً الغازي و أعوانه :
حتى ان كان تفور باقدارا نمدح فوق رسولنا بطارا
.................................................. ...............
ان كان اخشى اخلي الطارا عقبان اسم ابوي خسارا
لا شك أن الحزن سيعتريك و أنت تسافر مع أحمد المجذوب لتشهد وقعة القيقر : " وفي عشيه يوم 29 يونيو 1884 كان ظلام الليل يزخر بالثوار الزاحفين إلى حصن القيقر بالدبه. وكان مصطفى باشا ياور قد تحصن بقواته في القيقر ، حيث كان قبل ذلك بدنقلا و نمى إلى سمعه استنفار الثوار فعاد إلى القيقر ليعدَّ جنوده . ود الزين و احمد ود حاج الماحي و ود اللّي بلغوا مع جموع الثوار مكاناً قريبا من أسوار القيقر وصدرت التعليمات بأن يهجم الثوار على القيقر عند سماعهم طلقة بندقية كإشارة لبدء الهجوم ومع إطلالة فجر يوم30/6/1884 دوَّى صوت الطلق الناري المتفق عليه . قال ود الزين : سمعنا صوت الطلق النارى فانقَضَضْنا على الأسوار كالسيل رافعين سيوفنا وحرابنا ، صائحين (الكفرة ولاد ال.............) . "
كتاب (حاج الماحي ..الساقية و القوافل) كتاب جدير بالقراءة أنتظر من أخي أحمد المجذوب إصداره في أسرع فرصة ، ليرفد وجدان عشاق الأدب و التاريخ و عشاق حاج الماحي و المنطقة ، ليرفد وجدانهم بمتعة راقية و يسد فراغاً في المكتبة عن تاريخ المنطقة و أيام حاج الماحي .
منقول من منتدى الزومة مناره الفقراء
الكاتب الاستاذ الفاضل: زين العابدين حسن
في غربة طالت و استطالت ، تبحث النفس عما يخفف من وحشتها ، تبحث عن صحبة ترتاح لها ، خاصة إذا كانت صحبة من ذلك الزمان الذي تُطوى ذكرياته في سويداء الفؤاد و تضمه الحنايا . أسعدني الزمان في الغربة بصحبة واحدٍ من ذلك الزمان ، زمان مروي الثانوية و جامعة الخرطوم سبعينات القرن الماضي .... حفيد حاج الماحي ، الرجل الخلوق المثقف مولانا أحمد المجذوب .... و سعدت و تشرفت باختياره لي لأكون أول قارئ لكتابه الذي اخترت عنوانه ليكون عنوان ما أكتب الآن ... من أول سطر لم تستطع عيناي مفارقة ذلك السفر ... لغة جمعت بين الفخامة و البساطة و الجزالة ... رواية و تاريخ و إنارة ذكية لحقبة مهمة من تاريخ منطقتنا ، بل تاريخ السودان ... السرد الروائي الممتع جعلني أركض مع الصفحات مستغرقاً مستمتعاً . لا أستطيع أن أصف كيف شدني هذا الكتاب و أفادني و سد ثغرات في معارفي ... منه تعرّفت على جزء غائب عني من تاريخ المنطقة ، لكن أهم ما فيه أنني صحبت حاج الماحي و ما أدراك ما حاج الماحي ، صحبته طفلاً و صبياً و رجلاً و صمداً لساقية ود الشيخ ، و الساقية كانت بلا شك محور حياة أهلنا في ذلك الزمان ... حياة حاج الماحي كانت مرتبطة بالساقية برباط وثيق ، فقد كانت أس الحياة و مناط الرجاء :
القبه الطلق نساما شوقي حليل خداما
___________
بسم الله العبيد نظَاما ربط الساقية فوق اسهاما
شعبا جابره موهدامه ترتر لى مروقا عظـاما
___________
رصاها ودفن تماما ختخت وعدل الحوامه
رفع الديو وسوى الناما دفق بافضل الاياما
شنف أذنيي أنين ساقية ود الشيخ ، و أشجتني أيام حاج الماحي الخوالي و هزتني تلك الأحداث الجسام التي عاصرها .... شهد حاج الماحي أخريات أيام دولة الفونج و عاش فظائع الفتح التركي و حملات الدفتردار ... كانت معركة كورتي برزخ بين عهدين ، ها هو قلم مولانا أحمد المجذوب البهي ، يقف إجلالاً عند تلك اللحظة من التاريخ ، رغم الحزن الذي يجلل قلمه لكن ذلك القلم يرى بوضوح المجد الذي خطه أولئك الفرسان دفاعاً عن أنبل ما يعتزون به ، عن حريتهم ، عن سواقيهم ... أسمعه يقول عنهم : " الفرسان الأشاوس الذين مزقهم الرصاص علي عقبة كورتي رقدوا في سلام لأنهم علموا أنهم دفعوا مهر الساقية. الرجال الصناديد الذين لا يكادون يصدقون ما حدث أنشبوا سلاحهم البسيط مرات أخرى في المحتل في عدة معارك جرت إحداها على الشاطئ الغربي للنيل قبالة ساقية ود الشيخ وداخل مملكة الملك ود زمزم قريب حاج الماحي بل ابن خالته . " ... يملأك قلم أحمد المجذوب فخراً بشموخ الأجداد و أنفتهم و اعتزازهم ... لم يكونوا ــ كما توهم الغازي ــ جماعة بلا تاريخ و بلا أمجاد و بلا اعتزاز و فخر ... كانت أرضهم و سواقيهم الملتصقين بها مصدر عزة ممزوج بتراث الأجداد ...
عندما خاف الغازي من رموز المجتمع ــ أمثال حاج الماحي ــ الذين يلتف حولهم أهلهم يجدون عندهم البلسم لجروح الغازي و الزمان ، راح يضيّق عليهم ، و جاءت الأخبار تترى عن نية الحكومة منع المديح ... يصور لك قلم أحمد المجذوب كيف انتفض حاج الماحي متحدياً الغازي و أعوانه :
حتى ان كان تفور باقدارا نمدح فوق رسولنا بطارا
.................................................. ...............
ان كان اخشى اخلي الطارا عقبان اسم ابوي خسارا
لا شك أن الحزن سيعتريك و أنت تسافر مع أحمد المجذوب لتشهد وقعة القيقر : " وفي عشيه يوم 29 يونيو 1884 كان ظلام الليل يزخر بالثوار الزاحفين إلى حصن القيقر بالدبه. وكان مصطفى باشا ياور قد تحصن بقواته في القيقر ، حيث كان قبل ذلك بدنقلا و نمى إلى سمعه استنفار الثوار فعاد إلى القيقر ليعدَّ جنوده . ود الزين و احمد ود حاج الماحي و ود اللّي بلغوا مع جموع الثوار مكاناً قريبا من أسوار القيقر وصدرت التعليمات بأن يهجم الثوار على القيقر عند سماعهم طلقة بندقية كإشارة لبدء الهجوم ومع إطلالة فجر يوم30/6/1884 دوَّى صوت الطلق الناري المتفق عليه . قال ود الزين : سمعنا صوت الطلق النارى فانقَضَضْنا على الأسوار كالسيل رافعين سيوفنا وحرابنا ، صائحين (الكفرة ولاد ال.............) . "
كتاب (حاج الماحي ..الساقية و القوافل) كتاب جدير بالقراءة أنتظر من أخي أحمد المجذوب إصداره في أسرع فرصة ، ليرفد وجدان عشاق الأدب و التاريخ و عشاق حاج الماحي و المنطقة ، ليرفد وجدانهم بمتعة راقية و يسد فراغاً في المكتبة عن تاريخ المنطقة و أيام حاج الماحي .
منقول من منتدى الزومة مناره الفقراء
الكاتب الاستاذ الفاضل: زين العابدين حسن