أقسام الشايقية:
الشايقية من المجموعة الجعلية أو العباسية حيث لفظة جعليين عند المؤرخين ترادف كلمة عباسيين بالسودان فهو اصطلاح لا يطلق على قبيلة بعينها بل يجمع عددا كبيرا من القبائل التي لا تكاد تتصل بصلات من صلة الرحم والقربى وقد حدد اللفظ للدلالة على زرية ضواب الذي يلتقي عنده الجعليون والشايقية وعدد من الفروع الأخرى
يروي نسابو الشايقية أن الشايقية هم أبناء شايق أحد أشقاء غانم أحد جدود الجعليين وزعمائهم , كما يروون بأن غانماً هذا رحل بعدد من رجال القبيلة الى شمال السودان حتى احتلت جماعته المناطق التي يعيش فيها الشايقية الآن , والتي تمتد حدودها لحوالي مائتي كيلو متر على ضفتي النيل من الشلال الرابع الى وادي الملك .
ولا تعرف على وجه التحديد الصلة بين قبيلة الشايقية السودانية والشايجية أو الشايقية الموجودين في بعض أجزاء الجزيرة العربية وخاصة دول الخليج . ومن الصعب أستبعاد صلة تمتّ في أصولها الى هؤلاء العرب الشايقية الذين مازالوا يعيشون حتى الآن في الجزيرة العربية .
ولعل أسم شايق هذا كان أسماً ميمون الطالع يتكرر في ألأسر العربية من حين الى اخر فلما ذهب فرع من عشيرة الشايقية العربية الى الأراضي السودانية ظهر الأسم مرة اخرى , وانبثقت عنه قبيلة الشايقية الكبيرة الموجودة في السودان الآن .
والثابت لدى هذه القبيلة أن اصولهم عربية , وأن قلة سمرة بشرة طوائف منهم إنما تعود إلى قلة اختلاط مع الاخرين .
يرجع نسب الجد شايق إلى آبائه حميدان بن صبح الشهير بأبي مرخة ابن مسمار بن سرار . وقد رزق سرار بأربعة اولاد أسماهم : سمرة وسمير ورباط ومسمار
أما سمرة فقد انجب ( بدير ) وهو جد البديرية , وأما سمير فإنه لم يعقب , وأصبح رباط جد الرباطاب وهم القبيلة التي تسكن منطقة ( ابو حمد )وربما كان موقعها هو الموضع الذي أحضر وراد المياه للعمري الماء منه في يوم واحد .
وأما مسمار فقد ولد له حميدان الذي أنجب أبنه ( غانم ) الذي كانت من ذريته قبيلة الجعليين , و(شايق) الذي هو جد الشايقية . وهكذا تظهر القرابة الأسرية بين هذه القبائل المتفرعة من اصل واحد , والتي قامت بينها المنازعات فيما بعد خاصة بين الشايقية والجعليين .
رزق شايق بعشرة ابناء وهم : سوار – حوش – عون – سلوف - باعوض – قريش – نافع – مريس – سالم – كدنجا .
وربما كان هذا الأسم الأخير غير العربي من الأسماء المنتشرة بين أهالي المنطقة السابقين أو ربما كانت أمه من أهل البلاد الأصليين , وكان هذا الاسم مما يطلقونه على الأولاد . ثم مالبثت ذريات هؤلاء الابناء أن أنقسمت إلى عدة بطون وأفخاذ كما هي عادة القبائل العربية .
وقد شكك بعض الباحثين الغربيين في اصل الشايقية ولم يقبلوا النظرية السائدة لدى المجتمع الشايقي والسوداني عامة بأنهم عرب , ويتحدث كروفورد صاحب كتاب ممكلة الفونج في سنار عن هذه القبيلة قائلاً بأن قبيلة الشايقية لها خواصها الواضحة مع أصول غامضة . ثم يضيف قائلاً بأنهم حتى منتصف القرن التاسع عشر , فإن معظمهم كان يتكلم اللغة العربية ولكنهم هم وجيرانهم المناصير والرباطابا كانوا يتكلمون أيضاً بهلجة كلهجة البرابرة , وكانت تلك اللهجة تشبه اللغة المحسية الى حد بعيد . وأدى هذا إلى أن يرى كمايكل بأن هؤلاء الشايقية لا بد وأن يكونوا من نسل البشناق أي ( البوسنة والهرسك ) كما يطلق عليهم حالياً . ومن كان معهم البانيين وأتراك منذ احتلال السلطان سليم الفاتح لمصر عام 1517هـ . وكان هؤلاء الناس يقومون بحراسة قلاع الحدود ثم أنهم أقاموا لهم أماكن أستقرار في بلاد النوبة . ويعترض كروفورد على هذه النظرية بحجة أن السلطان سليم لم يحدث أن أحتل تلك الجهات أو وضع فيها حاميات . كما أن الحاميات التركية التي كانت تراقب الحدود بين الشلال الاول والشلال الثالث لم يحدث أن أنجبت شعباً له خواص الشايقية , كما أن الاركيولوجين تجاهلوا القيام بأي بحوث علمية عن الشايقية . وعلى هذا الأساس فقد رفض كثير من هؤلاء الباحثين فكرة إرجاع الشايقية الى جدود عناصر الجيش التركي .
وكان بين الذين تحدثوا عن أصل الشايقية وأدلوا بما توصلوا اليه من أستنتاجات الرحالة الألماني فيرن الذي قام برحلة الى السودان خلال السنوات 1840-1841 وقد ذكر فيرن بأنه يعتقد بأن الشايقية هم من نسل محاربي قدماء المصريين أو ربما كانوا أبناء ثوار المصريين القدماء الذين اورد هيرودتس سيرتهم . وكان أولئك المحاربون القدماء قد ارسلوا من مصر لحراسة الحدود الجنوبية ضد الأمم السودانية التي كانت تهاجم مصر من الجنوب . واستوطن هؤلاء الجند او الثوار المنطقة التي يسكنها الشايقية الآن وهي المنطقة الزراعية الخصبة الواقعة على النيل بين جبل داكا جنوبي دنقلة العجوز الشلال الرابع . ويضيف هيرودتس بأن عدد هؤلاء المستوطنين الثائرين أو المحاربين كان نحو مائتين واربعين آلف مقاتل . وكانت هجرتهم إلى الأراضي السودانية في عهد أبسميتك أحد فراعنة مصر . وتحدث عن هؤلاء الثوار المؤرخ بلينيوش سنة 70م , قال بأنهم هربوا من أبسماتيك وأستقروا في منطقة مروي الحالية .
وحاول فيرن تأييد نظريته هذه بأن أوضح قرب موقع بلاد الشايقية الحالية من موقع نبتة عاصمة مملكة مروي القديمة , كما تحدث عن النزعة العسكرية التي مازال الشايقية يحتفظون بها . إضافة إلى نزعتهم لعدم الخضوع إلى زعيم واحد أوملك واحد وإذ كانوا دائماً تحت حكم عدد من صغار الملوك ( مكوك ) . ويرى فيرن أن الأسر الشايقية الحاكمة يشبهون طبقة السادة لدى قدماء المصريين . وكان هؤلاء لا يعترفون بسلطان أحد عليهم غير سلطان ملوك إثيوبيا . فلما أنهارت الملكية الأثيوبية أصبحوا أمراء لهم أستقلالهم , وأقتسموا السلطة أسوة بما حدث فيما بعد لقواد الإسكندر الأكبر بعد وفاته . ويلاحظ فيرن أن الشايقية لا يتركون شعر راسهم سابلا كما يفعل رجال القبائل العربية , بل أنهم يقصرونه كما كان يفعل قدماء المصريين . كما أنها تخالف طريقة النوبيين والعرب في تصفيف شعرهم .
ومما تحدث به كمايكل لتأييد نظرية فيرن ما ذكره من أن الرحالة كايو الفرنسي شاهد الشايقية وقد أقاموا نصباً على هيئة إنسان وهو يشير نحو الجهات التي قاموا بغزوها . وأوضح بأن هذه العادة مقتبسة من الفراعنة الذين كانوا يقيمون تماثيل على مشارف حدود بلادهم للإشارة الى فتوحاتهم التي قاما بها .
كان من بين الذين تناولوا أصل الشايقية بالبحث ترمنجهام في كتابه الاسلام في السودان وقد ذكر ترمنجهام بأنه من المحتمل أن يكون هؤلاء الشايقية من أصل بجاوي رحل إلى تلك المنطقة وربما أعتمد ترمنجهام في رأيه هذا على ما ذكره المقريزي من أن بعض الزنافج وهم من رعايا زعماء البجة ( الحدارب) رحلوا إلى مناطق على النيل , واصبحوا من رعايا ملوك النوبة بالرغم من أنهم أحتفظوا بلغتهم البجاوية . وابدى ترمنجهام ملاحظته في أن جميع أسماء العشائر الشايقية ينتهي بالمقعط ( آب ) وهو المقطع المأخوذ من لغة البجة . واعترض عابدين على هذه النظرية لأنه يرى أن ورود المقطع ( آب ) لا ينهض دليلاً على بجاوية الشايقية .
بالرغم من ذلك فإننا نرى أن هناك احتمالا كبيراً بأن في قبيلة الشايقية بعض الدماء البجاوية , ونرى أن رحيل هؤلاء البجة في وقت سابق الى منقطة شنقير قد يكون له أثره على الشايقية . وبالإضافة الى ذلك فإن أستقرار قبيلة سعد العشيرة ومن معها من قبائل شامية على مشارف ( ابو حمد ) , وهي أرض بجاوية قد تتيح الفرصة للسعشريين ليختلطوا بالبجة بالتزاوج والمصاهرة كما فعل من قبلهم ابناء ربيعة حين وصلوا إلى أرض المعدن .
ومما لاشك فيه أن المنطقة يسكنها الشايقية الآن , كما حددناها كانت آهلة بالسكان طوال القرون الماضية , وأنها كانت مسرحاً لمدينة مروي وحضارة ملوكها البارزين . ولما كانت المنطقة تمتاز بخصوبتها فإنها أحتفظت بساكنيها على مر الأيام . ثم جاءت هجرة القبائل العربية الى السودان عبر طرق مختلفة , فراى بعضهم الأستقرار مع اولئك السكان الأصليين وأختلط بهم , وأدخل اللغة العربية وبعض خصائص العرب عليهم , ونتج عن ذلك شعب خليط هو الشايقية .
أما تلك القبيلة العربية التي نزحت الى تلك المنطقة فإننا نرى أنها في أغلب الظن هي قبيلة سعد العشيرة وبعض قبائل الشامية اليمنية الأخرى التي كانت معها في أرض المعدن . ولا نستبعد أن يكون بين أولئك المهاجرين بعض من جهينة , كما أننا نكاد موقنين من أنه لم تكن معهم جماعة من قيس عيلان العدنانية التي دخلوا معها في منافسات أيام العمري . وهكذا وجدت سعد العشيرة لنفسها وطنا في الأراضي السودانية بعد عدة قرون من العمل الجاد في أرض المعدن البجاوية بحثاً عن التبر بين رمال وادي العلاقي .
وهذا يجعل أن من المحتمل جداً إن لم يكن مؤكداً أن في الشايقية بعض الدماء البجاوية التي اكتسبتها عن طريق العيش في وادي العلاقي وكمركز تجاري تمر به قوافل التجارة التاريخية من شنقير ( ابو حمد ) إلى سواكن وموانئ البحر الأحمر مثل سواكن القديم أي عيذاب .
أما ارجاع الشايقية نسبهم الى الجهينين العباسيين فإننا نرى أيضاً أنه في بلد كثرت فيه الأحلاف أن تتزاوج في بعضها بعضا لتقوية اواصر القربى والتحالف ولذلك فليس بعيداً أن يكون زعماء الشايقية هم أبناء عمومة الجعليين , ولكن قد يختلف أصول أبناء القبيلة . أما التنافس والقتال الذي دار بين هاتين القبيلتين فيما بعد عند استقرارهما في الأراضي السودانية فإنه كان تنافساً طبيعياً بين أبناء العمومة وهي من السمات الأنسانية المنتشرة في كل مكان وزمان .
أستقر الشايقية في ضفاف النيل بين جبل ديقا جنوب دنقلة وبين الشلال الرابع وظهروا في الوجود بمكانة عظيمة في القرن السابع عشر .
وكانوا في أول أمرهم عند ضعفهم قد دخلوا في الحلف السناري لسلطنة الفونج . ولكن في حوالي سنة 1600م ثار زعيمهم الشيخ عثمان ود حمد على الفونج وهزمهم وأستقل بزعامته , وأخذ عهداً من الفونج بأن يحترموا سيادته على إقليمه , ووافق الفونج رغما منهم على ذلك لبعد الشقة بينهم وبين الشايقية , وعدم قدرتهم على إخماد ثورتهم وبسط نفوذ السلطنة عليهم . ووقد عليهم في أوائل القرن التاسع عشر جماعات من المماليك الذين هربوا من وجه محمد علي باشا في مصور وأوقعوا في اول الامر بالشايقية وذلك بقتل زعيمهم المضياف غدراً وخيانة . ولكن الشايقية وقفوا وقفة صامدة ضدهم وضد سلاحهم الناري . ولما جاء جيش أسماعيل باشا الى السودان لإحتلاله في عام 1820م وقف الشايقية ضد جيشه الغازي وقاوموه ولكن مالبثت البنادق والمدافع والكثرة العددية المدربة أن اوقعت بهم هزيمة لم يتوقعوها بعد كفاح مرير أصبح مثلا يضرب في السودان .
والشايقية يتحدثون بلهجة عربية لها نغمتها العربية الأصيلة , ولبعض اواخر كلماتها ومقاطعها إمالة .
الشايقية من المجموعة الجعلية أو العباسية حيث لفظة جعليين عند المؤرخين ترادف كلمة عباسيين بالسودان فهو اصطلاح لا يطلق على قبيلة بعينها بل يجمع عددا كبيرا من القبائل التي لا تكاد تتصل بصلات من صلة الرحم والقربى وقد حدد اللفظ للدلالة على زرية ضواب الذي يلتقي عنده الجعليون والشايقية وعدد من الفروع الأخرى
يروي نسابو الشايقية أن الشايقية هم أبناء شايق أحد أشقاء غانم أحد جدود الجعليين وزعمائهم , كما يروون بأن غانماً هذا رحل بعدد من رجال القبيلة الى شمال السودان حتى احتلت جماعته المناطق التي يعيش فيها الشايقية الآن , والتي تمتد حدودها لحوالي مائتي كيلو متر على ضفتي النيل من الشلال الرابع الى وادي الملك .
ولا تعرف على وجه التحديد الصلة بين قبيلة الشايقية السودانية والشايجية أو الشايقية الموجودين في بعض أجزاء الجزيرة العربية وخاصة دول الخليج . ومن الصعب أستبعاد صلة تمتّ في أصولها الى هؤلاء العرب الشايقية الذين مازالوا يعيشون حتى الآن في الجزيرة العربية .
ولعل أسم شايق هذا كان أسماً ميمون الطالع يتكرر في ألأسر العربية من حين الى اخر فلما ذهب فرع من عشيرة الشايقية العربية الى الأراضي السودانية ظهر الأسم مرة اخرى , وانبثقت عنه قبيلة الشايقية الكبيرة الموجودة في السودان الآن .
والثابت لدى هذه القبيلة أن اصولهم عربية , وأن قلة سمرة بشرة طوائف منهم إنما تعود إلى قلة اختلاط مع الاخرين .
يرجع نسب الجد شايق إلى آبائه حميدان بن صبح الشهير بأبي مرخة ابن مسمار بن سرار . وقد رزق سرار بأربعة اولاد أسماهم : سمرة وسمير ورباط ومسمار
أما سمرة فقد انجب ( بدير ) وهو جد البديرية , وأما سمير فإنه لم يعقب , وأصبح رباط جد الرباطاب وهم القبيلة التي تسكن منطقة ( ابو حمد )وربما كان موقعها هو الموضع الذي أحضر وراد المياه للعمري الماء منه في يوم واحد .
وأما مسمار فقد ولد له حميدان الذي أنجب أبنه ( غانم ) الذي كانت من ذريته قبيلة الجعليين , و(شايق) الذي هو جد الشايقية . وهكذا تظهر القرابة الأسرية بين هذه القبائل المتفرعة من اصل واحد , والتي قامت بينها المنازعات فيما بعد خاصة بين الشايقية والجعليين .
رزق شايق بعشرة ابناء وهم : سوار – حوش – عون – سلوف - باعوض – قريش – نافع – مريس – سالم – كدنجا .
وربما كان هذا الأسم الأخير غير العربي من الأسماء المنتشرة بين أهالي المنطقة السابقين أو ربما كانت أمه من أهل البلاد الأصليين , وكان هذا الاسم مما يطلقونه على الأولاد . ثم مالبثت ذريات هؤلاء الابناء أن أنقسمت إلى عدة بطون وأفخاذ كما هي عادة القبائل العربية .
وقد شكك بعض الباحثين الغربيين في اصل الشايقية ولم يقبلوا النظرية السائدة لدى المجتمع الشايقي والسوداني عامة بأنهم عرب , ويتحدث كروفورد صاحب كتاب ممكلة الفونج في سنار عن هذه القبيلة قائلاً بأن قبيلة الشايقية لها خواصها الواضحة مع أصول غامضة . ثم يضيف قائلاً بأنهم حتى منتصف القرن التاسع عشر , فإن معظمهم كان يتكلم اللغة العربية ولكنهم هم وجيرانهم المناصير والرباطابا كانوا يتكلمون أيضاً بهلجة كلهجة البرابرة , وكانت تلك اللهجة تشبه اللغة المحسية الى حد بعيد . وأدى هذا إلى أن يرى كمايكل بأن هؤلاء الشايقية لا بد وأن يكونوا من نسل البشناق أي ( البوسنة والهرسك ) كما يطلق عليهم حالياً . ومن كان معهم البانيين وأتراك منذ احتلال السلطان سليم الفاتح لمصر عام 1517هـ . وكان هؤلاء الناس يقومون بحراسة قلاع الحدود ثم أنهم أقاموا لهم أماكن أستقرار في بلاد النوبة . ويعترض كروفورد على هذه النظرية بحجة أن السلطان سليم لم يحدث أن أحتل تلك الجهات أو وضع فيها حاميات . كما أن الحاميات التركية التي كانت تراقب الحدود بين الشلال الاول والشلال الثالث لم يحدث أن أنجبت شعباً له خواص الشايقية , كما أن الاركيولوجين تجاهلوا القيام بأي بحوث علمية عن الشايقية . وعلى هذا الأساس فقد رفض كثير من هؤلاء الباحثين فكرة إرجاع الشايقية الى جدود عناصر الجيش التركي .
وكان بين الذين تحدثوا عن أصل الشايقية وأدلوا بما توصلوا اليه من أستنتاجات الرحالة الألماني فيرن الذي قام برحلة الى السودان خلال السنوات 1840-1841 وقد ذكر فيرن بأنه يعتقد بأن الشايقية هم من نسل محاربي قدماء المصريين أو ربما كانوا أبناء ثوار المصريين القدماء الذين اورد هيرودتس سيرتهم . وكان أولئك المحاربون القدماء قد ارسلوا من مصر لحراسة الحدود الجنوبية ضد الأمم السودانية التي كانت تهاجم مصر من الجنوب . واستوطن هؤلاء الجند او الثوار المنطقة التي يسكنها الشايقية الآن وهي المنطقة الزراعية الخصبة الواقعة على النيل بين جبل داكا جنوبي دنقلة العجوز الشلال الرابع . ويضيف هيرودتس بأن عدد هؤلاء المستوطنين الثائرين أو المحاربين كان نحو مائتين واربعين آلف مقاتل . وكانت هجرتهم إلى الأراضي السودانية في عهد أبسميتك أحد فراعنة مصر . وتحدث عن هؤلاء الثوار المؤرخ بلينيوش سنة 70م , قال بأنهم هربوا من أبسماتيك وأستقروا في منطقة مروي الحالية .
وحاول فيرن تأييد نظريته هذه بأن أوضح قرب موقع بلاد الشايقية الحالية من موقع نبتة عاصمة مملكة مروي القديمة , كما تحدث عن النزعة العسكرية التي مازال الشايقية يحتفظون بها . إضافة إلى نزعتهم لعدم الخضوع إلى زعيم واحد أوملك واحد وإذ كانوا دائماً تحت حكم عدد من صغار الملوك ( مكوك ) . ويرى فيرن أن الأسر الشايقية الحاكمة يشبهون طبقة السادة لدى قدماء المصريين . وكان هؤلاء لا يعترفون بسلطان أحد عليهم غير سلطان ملوك إثيوبيا . فلما أنهارت الملكية الأثيوبية أصبحوا أمراء لهم أستقلالهم , وأقتسموا السلطة أسوة بما حدث فيما بعد لقواد الإسكندر الأكبر بعد وفاته . ويلاحظ فيرن أن الشايقية لا يتركون شعر راسهم سابلا كما يفعل رجال القبائل العربية , بل أنهم يقصرونه كما كان يفعل قدماء المصريين . كما أنها تخالف طريقة النوبيين والعرب في تصفيف شعرهم .
ومما تحدث به كمايكل لتأييد نظرية فيرن ما ذكره من أن الرحالة كايو الفرنسي شاهد الشايقية وقد أقاموا نصباً على هيئة إنسان وهو يشير نحو الجهات التي قاموا بغزوها . وأوضح بأن هذه العادة مقتبسة من الفراعنة الذين كانوا يقيمون تماثيل على مشارف حدود بلادهم للإشارة الى فتوحاتهم التي قاما بها .
كان من بين الذين تناولوا أصل الشايقية بالبحث ترمنجهام في كتابه الاسلام في السودان وقد ذكر ترمنجهام بأنه من المحتمل أن يكون هؤلاء الشايقية من أصل بجاوي رحل إلى تلك المنطقة وربما أعتمد ترمنجهام في رأيه هذا على ما ذكره المقريزي من أن بعض الزنافج وهم من رعايا زعماء البجة ( الحدارب) رحلوا إلى مناطق على النيل , واصبحوا من رعايا ملوك النوبة بالرغم من أنهم أحتفظوا بلغتهم البجاوية . وابدى ترمنجهام ملاحظته في أن جميع أسماء العشائر الشايقية ينتهي بالمقعط ( آب ) وهو المقطع المأخوذ من لغة البجة . واعترض عابدين على هذه النظرية لأنه يرى أن ورود المقطع ( آب ) لا ينهض دليلاً على بجاوية الشايقية .
بالرغم من ذلك فإننا نرى أن هناك احتمالا كبيراً بأن في قبيلة الشايقية بعض الدماء البجاوية , ونرى أن رحيل هؤلاء البجة في وقت سابق الى منقطة شنقير قد يكون له أثره على الشايقية . وبالإضافة الى ذلك فإن أستقرار قبيلة سعد العشيرة ومن معها من قبائل شامية على مشارف ( ابو حمد ) , وهي أرض بجاوية قد تتيح الفرصة للسعشريين ليختلطوا بالبجة بالتزاوج والمصاهرة كما فعل من قبلهم ابناء ربيعة حين وصلوا إلى أرض المعدن .
ومما لاشك فيه أن المنطقة يسكنها الشايقية الآن , كما حددناها كانت آهلة بالسكان طوال القرون الماضية , وأنها كانت مسرحاً لمدينة مروي وحضارة ملوكها البارزين . ولما كانت المنطقة تمتاز بخصوبتها فإنها أحتفظت بساكنيها على مر الأيام . ثم جاءت هجرة القبائل العربية الى السودان عبر طرق مختلفة , فراى بعضهم الأستقرار مع اولئك السكان الأصليين وأختلط بهم , وأدخل اللغة العربية وبعض خصائص العرب عليهم , ونتج عن ذلك شعب خليط هو الشايقية .
أما تلك القبيلة العربية التي نزحت الى تلك المنطقة فإننا نرى أنها في أغلب الظن هي قبيلة سعد العشيرة وبعض قبائل الشامية اليمنية الأخرى التي كانت معها في أرض المعدن . ولا نستبعد أن يكون بين أولئك المهاجرين بعض من جهينة , كما أننا نكاد موقنين من أنه لم تكن معهم جماعة من قيس عيلان العدنانية التي دخلوا معها في منافسات أيام العمري . وهكذا وجدت سعد العشيرة لنفسها وطنا في الأراضي السودانية بعد عدة قرون من العمل الجاد في أرض المعدن البجاوية بحثاً عن التبر بين رمال وادي العلاقي .
وهذا يجعل أن من المحتمل جداً إن لم يكن مؤكداً أن في الشايقية بعض الدماء البجاوية التي اكتسبتها عن طريق العيش في وادي العلاقي وكمركز تجاري تمر به قوافل التجارة التاريخية من شنقير ( ابو حمد ) إلى سواكن وموانئ البحر الأحمر مثل سواكن القديم أي عيذاب .
أما ارجاع الشايقية نسبهم الى الجهينين العباسيين فإننا نرى أيضاً أنه في بلد كثرت فيه الأحلاف أن تتزاوج في بعضها بعضا لتقوية اواصر القربى والتحالف ولذلك فليس بعيداً أن يكون زعماء الشايقية هم أبناء عمومة الجعليين , ولكن قد يختلف أصول أبناء القبيلة . أما التنافس والقتال الذي دار بين هاتين القبيلتين فيما بعد عند استقرارهما في الأراضي السودانية فإنه كان تنافساً طبيعياً بين أبناء العمومة وهي من السمات الأنسانية المنتشرة في كل مكان وزمان .
أستقر الشايقية في ضفاف النيل بين جبل ديقا جنوب دنقلة وبين الشلال الرابع وظهروا في الوجود بمكانة عظيمة في القرن السابع عشر .
وكانوا في أول أمرهم عند ضعفهم قد دخلوا في الحلف السناري لسلطنة الفونج . ولكن في حوالي سنة 1600م ثار زعيمهم الشيخ عثمان ود حمد على الفونج وهزمهم وأستقل بزعامته , وأخذ عهداً من الفونج بأن يحترموا سيادته على إقليمه , ووافق الفونج رغما منهم على ذلك لبعد الشقة بينهم وبين الشايقية , وعدم قدرتهم على إخماد ثورتهم وبسط نفوذ السلطنة عليهم . ووقد عليهم في أوائل القرن التاسع عشر جماعات من المماليك الذين هربوا من وجه محمد علي باشا في مصور وأوقعوا في اول الامر بالشايقية وذلك بقتل زعيمهم المضياف غدراً وخيانة . ولكن الشايقية وقفوا وقفة صامدة ضدهم وضد سلاحهم الناري . ولما جاء جيش أسماعيل باشا الى السودان لإحتلاله في عام 1820م وقف الشايقية ضد جيشه الغازي وقاوموه ولكن مالبثت البنادق والمدافع والكثرة العددية المدربة أن اوقعت بهم هزيمة لم يتوقعوها بعد كفاح مرير أصبح مثلا يضرب في السودان .
والشايقية يتحدثون بلهجة عربية لها نغمتها العربية الأصيلة , ولبعض اواخر كلماتها ومقاطعها إمالة .